بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد :
في ظل اهتمام الحضارة المعاصرة بالناحية الجسدية من الإنسان ، وبسبب ضغط الواقع المادي الذي يعيشه أكثر الناس اليوم ، ولضعف صلتهم بربهم وطاعتهم له .. انتشرت ظاهرة غريبة في حياة المسلمين ألا وهي : ظاهرة الملل والسآمة ، والشعور بالضيق والضجر.. والتي أصبح لها وجود نسبي يقل ويكثر لدى الكبير والصغير ، والذكر والأنثى ، وصار كل واحد منهم يعبر عنها بأسلوبه الفريد ، وطريقته الخاصة .
مظاهر هذه الآفة :
ولعلنا إذا تأملنا بعض التصرفات والسلوكيات التالية رأينا أن من أسباب التعلق بها والإدمان على بعضها ، ما يعيشه أحدهم من آثار تلك الظاهرة الجديدة .. وذلك من مثل:
1- سماع الاغاني والموسيقى. 2- ممارسة عادة التدخين. 3-التفحيط والتسكع في الشوارع والأسواق. 4- مشاهدة القنوات الفضائية والإدمان عليها . 5-الهروب يوميا إلى الاستراحات مع الزملاء والأصدقاء. 6- كثرة النوم وحب الراحة والكسل. 7-العزوف عن القراءة الجادة إلى قراءة الجرائد والمجلات الهابطة. 8- الثرثرة بالهاتف لغير فائدة أو للإساءة للآخرين. 9- إهمال الطالب مذاكرة دروسه وضعف الاستعداد للاختبارات. 10-الإسراف في ممارسة الرياضة وقراءة جرائدها ومجلاتها .11- كثرة الأسفار والرحلات للترفيه البريء وغير البريء. 12-الانصراف عن العمل الجاد والمثمر بأي أسلوب وطريقة . إلى غير ذلك من العلامات التي تدل على وجود هذه الظاهرة .
من آثار هذا الظاهرة :
وقد يستهين البعض بأمر هذه الآفة ، ويرى أنها أمر لا مناص من الإنفكاك عنه ولا علاج لها ، آفة أنه ليس لها ذلك الأثر الذي يستحق الحديث عنه .
ولكن لو بحث أحدهم بكل صدق وموضوعية عن آثارها السلبية في عدد من جوانب حياته لرأى أن لها آثارا كثيرة ، نذكر منها أربعة :
أولا : ضياع كثير من الخير والطاعة : وذلك أن الذي يشعر بالملل والسآمة والضيق والضجر، تراه لا يستطع القيام إلا بالواجبات من دينه فقط، وعلى تقصير وتفريط فيها، أما غيرها من نوافل الطاعات وأبواب الأجر والثواب كالمحافظة مثلا على السنن والرواتب، أو القراءة المفيدة ، أو القيام بواجب الدعوة أو غير ذلك، فإنك سترى حجته في عدم إتيانه بها والمحافظة عليها أنه ليس له فيها مزاج أو أنها سنة فقط ولكن تجده بالمقابل عندما تتهيأ له برامج الترفيه والتسلية ، ومناسبات الطعام والشراب فإنه يكون أول المسارعين والمشاركين فيها ، بل والغاضبين إذا لم يدع .
فانظر إلى آثار هذه الآفة على هذا الإنسان وكم فوتت عليه من مواسم الخير وأبواب الأجر؟
ثانيا : حدوث الفشل أو بعضه في تحقيق الآمال والطموحات :
حيث إن هذه الآفة تجعل صاحبها ينصرف عن الجد والاجتهاد، والحرص والمتابعة، والاهتمام بتحقيق كثير من الطموحات العلية التي يسعى لها كل إنسان فمثلاً : إن كان طالباً قصر في دراسته، وإن كان موظفاً أهمل في أداء واجبه، وإن كانت زوجة فرطت في حق زوجها وأولادها وبيتها ..
وهكذا تتساهل فئات كثيرة من المجتمع المصابة بهذا الداء عن الأخذ بأسباب النجاح والتفوق الدنيوي في وقته ، ويكسلون عن البذر والزرع في أوانه ، منشغلين عن ذلك باللهو والترفيه لهذه النفس المضطربة، موسعين صدورهم بما لا يجدي ولا ينفع من البرامج ، فاذا جاء زمن الحصاد وقطف الثمار لم يجدوا شيئاً، أو حصلوا على ثمرة رديئة، أو معدلاً منخفضاً، لا يؤهلهم للمستوى الذي يطمحون إليه ، ولا للمستقبل الذي يتمنونه ، وعندها يشعرون بشيء من الحزن والأسى، عندما لا ينفعهم ذلك لفوات وقته .
ثالثا: خسارة العمر والمال :
فالذي يعيش هذه الحالة تجد أن همه وتفكيره أن يرفه عن نفسه باستمرار، ويضيع وقته بأي عمل ، فما تحين أية فرصة من ساعات ، أو أيام من إجازة إلا وتجد تفكيره منصبا فقط في استغلالها بتلك البرامج الترفيهية والممارسات اللامسؤولة، بغض النظر عن أنها ستقطع جزءاً من عمره فيما لا طائل تحته ، أو أنها لن تنفعه أو تنفع أمته بوجه من الوجوه ، المهم الترفيه وكفى! !
ليس معنى هذا أن نحجر على واسع ، أو نحرم شيئا أحله الله ، ولكن نقول : إن هناك فرقاً بين إنسان ضيع كثيرأ من عمره وأيامه التي هي رأس ماله في هذه الحياة ببرامج الترفيه في البر والبحر ، والتمشيات والسفريات ، والقيل والقال ، والذهاب والإياب ، وأنفق الكثير من المال في تنفيذ وملاحقة تلك البرامج التي ليس لها كثير فائدة.
وبين إنسان يفكر في الطموحات الأخروية، والاعمال الباقية بعد موته ، ويهتم بإصلاح نفسه وإصلاح أمته ، وبجتهد لذلك غاية الإجتهاد بحفظ وقته وماله وجوارحه ، ما بين علم إلى عمل ، ومن دعوة إلى عطاء، ومن صدقة إلى إحسان ، ومن تعاون إلى تكافل ، ومع ذلك لم يضيق على نفسه بما أباح الله - كما يتصور أولئك الجاهلون - إنما أعطاها من الترفيه قدر حاجتها وما يعينها على القيام بتلك الواجبات والطاعات ، مع احتساب نية الأجر والعبادة في كل ذلك .
رابعا: الوقوع في المعاصي والذنوب :
وقد يصل بضغط هذه الافة النفسية عند هذا الانسان وما يشعر به من ضيق وملل أن يفكر في إزالة هذه الحالة والتخفيف من معاناته بأية طريقة وأسلوب ، حتى ولو كانت عن طريق ارتكاب المحظور وفعل الحرام ، بحجة أن المباح لا يكفيه ولا يحقق له ما ينشده من سعادة وطمانينة !
فتجده مثلأ يقع في سماع الاغاني والموسيقى، ومشاهدة القنوات الفضانية ، وشرب الدخان والشيشة ، ومصادقة الصحبة المنحرفة ، وممارسة الفواحش والمنكرات ، إلى أن يصل به ذلك إلى استعمال المخدرات وترك الصلاة - نعوذ بالله من ذلك - وهكذا ينحدر من سيئة إلى سيئة أسوأ منها، كل ذلك حدث لأنه لم يفكر جدياً بعلاج هذه الآفة في بدايتها بالطرق الصحيحة والأساليب السليمة التي تتفق مع الدين والعقل ، وإنما تساهل في صدها إلى أن أوصلته إلى هذه الأثار السيئة .
من وسائل العلاج :
أما علاج هذه الظاهرة فهو موجود ومتيسر لمن يريده ، وعزمت عليه نفسه بكل جدية، إذ لا يكفي للانسان أن يكون راغباً في العافية ، متمنياً للخلاص ، دون أن يفكر باتخاذ حياله الخطوات العملية ، والإصلاحات الجذرية ، خاصة وأن هذه الوسائل مرتبط نجاحها وظهور آثارها بالأخذ بالوسائل الأخرى كذلك . . . أي : أن يعود المسلم إلى حظيرة إسلامه ودينه وأن يطبقه تطبيقاً كاملاً في كل مجالات حياته : عقيدة وعبادة، سلوكاً ومنهاجاً، وفكرا وشعورا، وما لم يحقق تلك العودة الكاملة ، فإن أي خطوة في هذا المجال لن تؤتي ثمارها بالصورة المرجوة..لهذا فإن من وسائل العلاج :
أولا: تحديد الهدف :
ولعل هذا الامر من أهم وسائل العلاج ، إذ أن غالب الذين يشعرون بآفة الملل أصيبوا به بسبب أنهم حصروا هدفهم في هذه الحياة على الجوانب المادية منها ، فحين تسأل أحدهم : ما هدفك في الحياة؟ يجيبك بأن هدفه ! وأمنيته أن يكون مهندساً أو ضابطاً أو أستاذاً أو ذو مال كثير أو وظيفة عالية، أو غير ذلك من الأهداف الدنيوية، أو الطموحات الذاتية، أو أن تجد أحدهم قد حصر هدفه على جزء قليل من العبودية والطاعة لله ، أما المساحة الكبرى من حياته والأعمال الكثيرة التي يؤديها فقد أخرجها من عبودية الله إلى عبودية نفسه وهواه وشيطانه وما يبتغي من محرمات ومنكرات ،فانقلبت بهذا المفهوم الوسائل من مال ووظيفة وزوج وولد إلى أهداف كبرى في هذه الحياة، وأما طاعة الله وعبوديته وهي الهدف من خلق الإنسان فقد انقلبت عنده إلى وسيلة ثانوية غير مهمة لهذا فإن أول شرط مطلوب توفيره للتخلص من هذا المرضى وكل آفة نفسية أن يجعل المسلم هدفه وغايته في هذه الحياة عبادة الله وطاعته بمفهومها الشامل وليس الجزئي أو الضيق ،وذلك بأن يضبط حياته ضمن دائرة لا تخرج عن حدود أوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم فلا يفعل ولا يقول ، ولا يأخذ ولا يعطي ، ولا يحب ولا يكره ، إلا ما كان لله ويرضيه على وفق شريعته وسنة رسوله ، وعندها سيجد بإذن الله للحياة طعم ، ولوجوده قيمة، وسيذهب عنه كل ما يجد من شعور بالملل والسآمة في مختلف عموم حياته ، ولا نقول كلها، إذ أن المسلم لابد وأن يصيبه شيء من الهم والحزن ، أو الضيق والملل كما يصيب غيره من البشر، ولكنه يتميز عن غيره بأن تلك الحالات لا تمر عليه إلا لفترات قليلة وقصيرة، وأنه كذلك يحتسب الأجر والثواب وتكفير الذنوب والسيئات على كل ما يصيبه حتى الشوكة يشاكها، كما جاء في الحديث .
ثانيا: القيام بالواجبات على الوجه المطلوب :
كل مسلم حقيقة لا ادعاء تجده ولله الحمد يؤدي واجباته الإسلامية ولا يترك منها شيئا سواء كانت الصلاة أو الزكاة أو الصيام أو الحج ، أو غيرها من أركان الإيمان وبقية الواجبات ، ولكن عندما ينظر الواحد منا في كيفية أدائه لهذه الواجبات يلحظ على نفسه أنها ليست على الوجه المطلوب ويعتريها شيئا من النقص والخلل .ومن أهم الأمثلة على ذلك شعيرة الصلاة التي أصبح البعض إما مضيع لوقتها، فهو يؤديها متى استيقظ من نومه خصوصاً (الفجر والعصر) ، أو فرغ من عمله أو انتهى من لهوه ولعبه . وإما مضيع لجوهرها وحقيقتها فهو يؤديها بلاروح ، قياماً وقعوداً وركوعاً وسجوداً، لا يعرف ولا يعقل ماذا قرأ في صلاته ولا ماذا قرأ إمامه ، يشعر أنها حمل ثقيل ،وأشغال شاقة يريد التخلص منها
فإذا كانت الصلاة معك بهذا الوضع فلا تستغرب أن تشعر بشيء من الملل والسأم فهذا شيء من عقوبة الله للمقصر، والمخرج من ذلك . أن تعيد النظر في عمود دينك بالمحافظة على إقامتها في وقتها مع الجماعة وأدائها على الوجه الأكمل ، خشوعاً وطمانينة ، وتدبراً لمعاني قراءتها ، وتضرعاً وتذللاً ودعاءً لله سبحانه وتعالى لعل الله أن يقبلها كاملة منك لا أن ترد عليك ، أو لا يقبل منها إلا القليل ، نعوذ بالله من الغفلة والخذلان .
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد :
في ظل اهتمام الحضارة المعاصرة بالناحية الجسدية من الإنسان ، وبسبب ضغط الواقع المادي الذي يعيشه أكثر الناس اليوم ، ولضعف صلتهم بربهم وطاعتهم له .. انتشرت ظاهرة غريبة في حياة المسلمين ألا وهي : ظاهرة الملل والسآمة ، والشعور بالضيق والضجر.. والتي أصبح لها وجود نسبي يقل ويكثر لدى الكبير والصغير ، والذكر والأنثى ، وصار كل واحد منهم يعبر عنها بأسلوبه الفريد ، وطريقته الخاصة .
مظاهر هذه الآفة :
ولعلنا إذا تأملنا بعض التصرفات والسلوكيات التالية رأينا أن من أسباب التعلق بها والإدمان على بعضها ، ما يعيشه أحدهم من آثار تلك الظاهرة الجديدة .. وذلك من مثل:
1- سماع الاغاني والموسيقى. 2- ممارسة عادة التدخين. 3-التفحيط والتسكع في الشوارع والأسواق. 4- مشاهدة القنوات الفضائية والإدمان عليها . 5-الهروب يوميا إلى الاستراحات مع الزملاء والأصدقاء. 6- كثرة النوم وحب الراحة والكسل. 7-العزوف عن القراءة الجادة إلى قراءة الجرائد والمجلات الهابطة. 8- الثرثرة بالهاتف لغير فائدة أو للإساءة للآخرين. 9- إهمال الطالب مذاكرة دروسه وضعف الاستعداد للاختبارات. 10-الإسراف في ممارسة الرياضة وقراءة جرائدها ومجلاتها .11- كثرة الأسفار والرحلات للترفيه البريء وغير البريء. 12-الانصراف عن العمل الجاد والمثمر بأي أسلوب وطريقة . إلى غير ذلك من العلامات التي تدل على وجود هذه الظاهرة .
من آثار هذا الظاهرة :
وقد يستهين البعض بأمر هذه الآفة ، ويرى أنها أمر لا مناص من الإنفكاك عنه ولا علاج لها ، آفة أنه ليس لها ذلك الأثر الذي يستحق الحديث عنه .
ولكن لو بحث أحدهم بكل صدق وموضوعية عن آثارها السلبية في عدد من جوانب حياته لرأى أن لها آثارا كثيرة ، نذكر منها أربعة :
أولا : ضياع كثير من الخير والطاعة : وذلك أن الذي يشعر بالملل والسآمة والضيق والضجر، تراه لا يستطع القيام إلا بالواجبات من دينه فقط، وعلى تقصير وتفريط فيها، أما غيرها من نوافل الطاعات وأبواب الأجر والثواب كالمحافظة مثلا على السنن والرواتب، أو القراءة المفيدة ، أو القيام بواجب الدعوة أو غير ذلك، فإنك سترى حجته في عدم إتيانه بها والمحافظة عليها أنه ليس له فيها مزاج أو أنها سنة فقط ولكن تجده بالمقابل عندما تتهيأ له برامج الترفيه والتسلية ، ومناسبات الطعام والشراب فإنه يكون أول المسارعين والمشاركين فيها ، بل والغاضبين إذا لم يدع .
فانظر إلى آثار هذه الآفة على هذا الإنسان وكم فوتت عليه من مواسم الخير وأبواب الأجر؟
ثانيا : حدوث الفشل أو بعضه في تحقيق الآمال والطموحات :
حيث إن هذه الآفة تجعل صاحبها ينصرف عن الجد والاجتهاد، والحرص والمتابعة، والاهتمام بتحقيق كثير من الطموحات العلية التي يسعى لها كل إنسان فمثلاً : إن كان طالباً قصر في دراسته، وإن كان موظفاً أهمل في أداء واجبه، وإن كانت زوجة فرطت في حق زوجها وأولادها وبيتها ..
وهكذا تتساهل فئات كثيرة من المجتمع المصابة بهذا الداء عن الأخذ بأسباب النجاح والتفوق الدنيوي في وقته ، ويكسلون عن البذر والزرع في أوانه ، منشغلين عن ذلك باللهو والترفيه لهذه النفس المضطربة، موسعين صدورهم بما لا يجدي ولا ينفع من البرامج ، فاذا جاء زمن الحصاد وقطف الثمار لم يجدوا شيئاً، أو حصلوا على ثمرة رديئة، أو معدلاً منخفضاً، لا يؤهلهم للمستوى الذي يطمحون إليه ، ولا للمستقبل الذي يتمنونه ، وعندها يشعرون بشيء من الحزن والأسى، عندما لا ينفعهم ذلك لفوات وقته .
ثالثا: خسارة العمر والمال :
فالذي يعيش هذه الحالة تجد أن همه وتفكيره أن يرفه عن نفسه باستمرار، ويضيع وقته بأي عمل ، فما تحين أية فرصة من ساعات ، أو أيام من إجازة إلا وتجد تفكيره منصبا فقط في استغلالها بتلك البرامج الترفيهية والممارسات اللامسؤولة، بغض النظر عن أنها ستقطع جزءاً من عمره فيما لا طائل تحته ، أو أنها لن تنفعه أو تنفع أمته بوجه من الوجوه ، المهم الترفيه وكفى! !
ليس معنى هذا أن نحجر على واسع ، أو نحرم شيئا أحله الله ، ولكن نقول : إن هناك فرقاً بين إنسان ضيع كثيرأ من عمره وأيامه التي هي رأس ماله في هذه الحياة ببرامج الترفيه في البر والبحر ، والتمشيات والسفريات ، والقيل والقال ، والذهاب والإياب ، وأنفق الكثير من المال في تنفيذ وملاحقة تلك البرامج التي ليس لها كثير فائدة.
وبين إنسان يفكر في الطموحات الأخروية، والاعمال الباقية بعد موته ، ويهتم بإصلاح نفسه وإصلاح أمته ، وبجتهد لذلك غاية الإجتهاد بحفظ وقته وماله وجوارحه ، ما بين علم إلى عمل ، ومن دعوة إلى عطاء، ومن صدقة إلى إحسان ، ومن تعاون إلى تكافل ، ومع ذلك لم يضيق على نفسه بما أباح الله - كما يتصور أولئك الجاهلون - إنما أعطاها من الترفيه قدر حاجتها وما يعينها على القيام بتلك الواجبات والطاعات ، مع احتساب نية الأجر والعبادة في كل ذلك .
رابعا: الوقوع في المعاصي والذنوب :
وقد يصل بضغط هذه الافة النفسية عند هذا الانسان وما يشعر به من ضيق وملل أن يفكر في إزالة هذه الحالة والتخفيف من معاناته بأية طريقة وأسلوب ، حتى ولو كانت عن طريق ارتكاب المحظور وفعل الحرام ، بحجة أن المباح لا يكفيه ولا يحقق له ما ينشده من سعادة وطمانينة !
فتجده مثلأ يقع في سماع الاغاني والموسيقى، ومشاهدة القنوات الفضانية ، وشرب الدخان والشيشة ، ومصادقة الصحبة المنحرفة ، وممارسة الفواحش والمنكرات ، إلى أن يصل به ذلك إلى استعمال المخدرات وترك الصلاة - نعوذ بالله من ذلك - وهكذا ينحدر من سيئة إلى سيئة أسوأ منها، كل ذلك حدث لأنه لم يفكر جدياً بعلاج هذه الآفة في بدايتها بالطرق الصحيحة والأساليب السليمة التي تتفق مع الدين والعقل ، وإنما تساهل في صدها إلى أن أوصلته إلى هذه الأثار السيئة .
من وسائل العلاج :
أما علاج هذه الظاهرة فهو موجود ومتيسر لمن يريده ، وعزمت عليه نفسه بكل جدية، إذ لا يكفي للانسان أن يكون راغباً في العافية ، متمنياً للخلاص ، دون أن يفكر باتخاذ حياله الخطوات العملية ، والإصلاحات الجذرية ، خاصة وأن هذه الوسائل مرتبط نجاحها وظهور آثارها بالأخذ بالوسائل الأخرى كذلك . . . أي : أن يعود المسلم إلى حظيرة إسلامه ودينه وأن يطبقه تطبيقاً كاملاً في كل مجالات حياته : عقيدة وعبادة، سلوكاً ومنهاجاً، وفكرا وشعورا، وما لم يحقق تلك العودة الكاملة ، فإن أي خطوة في هذا المجال لن تؤتي ثمارها بالصورة المرجوة..لهذا فإن من وسائل العلاج :
أولا: تحديد الهدف :
ولعل هذا الامر من أهم وسائل العلاج ، إذ أن غالب الذين يشعرون بآفة الملل أصيبوا به بسبب أنهم حصروا هدفهم في هذه الحياة على الجوانب المادية منها ، فحين تسأل أحدهم : ما هدفك في الحياة؟ يجيبك بأن هدفه ! وأمنيته أن يكون مهندساً أو ضابطاً أو أستاذاً أو ذو مال كثير أو وظيفة عالية، أو غير ذلك من الأهداف الدنيوية، أو الطموحات الذاتية، أو أن تجد أحدهم قد حصر هدفه على جزء قليل من العبودية والطاعة لله ، أما المساحة الكبرى من حياته والأعمال الكثيرة التي يؤديها فقد أخرجها من عبودية الله إلى عبودية نفسه وهواه وشيطانه وما يبتغي من محرمات ومنكرات ،فانقلبت بهذا المفهوم الوسائل من مال ووظيفة وزوج وولد إلى أهداف كبرى في هذه الحياة، وأما طاعة الله وعبوديته وهي الهدف من خلق الإنسان فقد انقلبت عنده إلى وسيلة ثانوية غير مهمة لهذا فإن أول شرط مطلوب توفيره للتخلص من هذا المرضى وكل آفة نفسية أن يجعل المسلم هدفه وغايته في هذه الحياة عبادة الله وطاعته بمفهومها الشامل وليس الجزئي أو الضيق ،وذلك بأن يضبط حياته ضمن دائرة لا تخرج عن حدود أوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم فلا يفعل ولا يقول ، ولا يأخذ ولا يعطي ، ولا يحب ولا يكره ، إلا ما كان لله ويرضيه على وفق شريعته وسنة رسوله ، وعندها سيجد بإذن الله للحياة طعم ، ولوجوده قيمة، وسيذهب عنه كل ما يجد من شعور بالملل والسآمة في مختلف عموم حياته ، ولا نقول كلها، إذ أن المسلم لابد وأن يصيبه شيء من الهم والحزن ، أو الضيق والملل كما يصيب غيره من البشر، ولكنه يتميز عن غيره بأن تلك الحالات لا تمر عليه إلا لفترات قليلة وقصيرة، وأنه كذلك يحتسب الأجر والثواب وتكفير الذنوب والسيئات على كل ما يصيبه حتى الشوكة يشاكها، كما جاء في الحديث .
ثانيا: القيام بالواجبات على الوجه المطلوب :
كل مسلم حقيقة لا ادعاء تجده ولله الحمد يؤدي واجباته الإسلامية ولا يترك منها شيئا سواء كانت الصلاة أو الزكاة أو الصيام أو الحج ، أو غيرها من أركان الإيمان وبقية الواجبات ، ولكن عندما ينظر الواحد منا في كيفية أدائه لهذه الواجبات يلحظ على نفسه أنها ليست على الوجه المطلوب ويعتريها شيئا من النقص والخلل .ومن أهم الأمثلة على ذلك شعيرة الصلاة التي أصبح البعض إما مضيع لوقتها، فهو يؤديها متى استيقظ من نومه خصوصاً (الفجر والعصر) ، أو فرغ من عمله أو انتهى من لهوه ولعبه . وإما مضيع لجوهرها وحقيقتها فهو يؤديها بلاروح ، قياماً وقعوداً وركوعاً وسجوداً، لا يعرف ولا يعقل ماذا قرأ في صلاته ولا ماذا قرأ إمامه ، يشعر أنها حمل ثقيل ،وأشغال شاقة يريد التخلص منها
فإذا كانت الصلاة معك بهذا الوضع فلا تستغرب أن تشعر بشيء من الملل والسأم فهذا شيء من عقوبة الله للمقصر، والمخرج من ذلك . أن تعيد النظر في عمود دينك بالمحافظة على إقامتها في وقتها مع الجماعة وأدائها على الوجه الأكمل ، خشوعاً وطمانينة ، وتدبراً لمعاني قراءتها ، وتضرعاً وتذللاً ودعاءً لله سبحانه وتعالى لعل الله أن يقبلها كاملة منك لا أن ترد عليك ، أو لا يقبل منها إلا القليل ، نعوذ بالله من الغفلة والخذلان .