ونظره حن قلبه اليه فحياه بالسلام وجعل يتأمل فيه ويقول والله من يوم غاب حامينا فقد عزنا وما أبصرنا قامته الا هذا اليوم ثم دمعت عيونه فقال الزير كيف تبكي عليه وانت ملتجئ الى اعداءه فعند ذلك عرفه ونزل عن ظهر الجواد ووقع عليه واعتنقه المهلهل وطيب خاطر جماعته وقال لهم ابقوا على ماكنتم عليه وعندما تسمعون صرير السيوف في أعناق بني مرة فحينئذ تفعلون ما يجب عليكم فعله فساروا في سرور وأفراح حتى يعلم بعضهم بعضا واما الزير فانه سار وهو وطراف وهما متنكران حتى دخلا الى حي جساس وقت المساء فوجد الحي في دق طبول ونقر دفوف وأمور تدل على مسرات وأفراح فقال المهلهل في سره ما عسى ان يكون هذا ولما اقترب من صيوان جساس وجده ممتليا من الناس وجساس جالس في الصدر وحوله الاكابر والاعيان والمولدات تدق بالدفوف والمزامر وبعد قليل حضر العبيد بسفر الطعام فقام جساس الى المائده وتقدمت بعده الامراء وجعلت تتوارد الفرسان وتتزاحم على بعضها البعض فعند ذلك تقدم الزير مع جملة الناس وجلس بقرب جساس وأخذ يتناول من أنواع الاطعمه فلما رآه جساس أنكر أمره وقد استعظم كبر جثته وهو يأكل اكل الجمال فقال له جساس أدعو لي ياشيخ فقال انني دائما أدعو لك ولست بناسيك على طول الزمان فازداد جساس خوفا وارتجفت أعضاءه ولما انتهى من العشاء أمر جساس باحضار الرمل وضربه في الحال ورسم الاشكال فظهر له انكيس واحمرار وانه قادم عليه أوقات منحوسه وسيظهر رجل لقي الجلد عن قريب يذيقه الاهوال وقد تأكد عنده بأن ذلك هو نفس الزير لانه لايوجد له عدو غيره فالتهب قلبه بناره وصاح من ملو رأسه يا ستار فجاءت اليه أخوته وقالوا ماأصابك ياأمير فاأنشد يقول :
قال جساس بن مرة في بيوت اسمعوا ياأخواني أهل الوفا
ضاق صدري وامتلا قلبي هموم فالقلق والغم ضارب بالحشا
جمعت تخت الرمل حورته بسرعه حتى أرى ماهو هذا البلا
رأيت لقي الجد آت عن قريب صاحب البطش ما بين الملا
ورأيت الجود له بيت ضد والجماعه شكلهم واقع حدا
ماعاد لي عقل لهذا الرمل قطرة حرت فيه اليوم يا أهل الندى
لو يصح القول قلت الزير جا وها هو جالس بين الامرا
فلما فرغ جساس من شعره ونظامه وفهم الزير مطلوبه وعرف المقصود ووضع يده على قبضة سيفه حتى اذا قال جساس اقبضوا عليه ليفتك به ويعدمه الحياة ومن كثرة ما جرى على جساس من الغم والوسواس ترك من كان عنده من الناس ودخل على الحريم خوفا من امر يأتي فلما رآه الزير فعل ذلك قال لابد من قتله ان لم يكن اليوم يكون غدا ثم خرج من الصيوان مع الامير طراف وسارا قاصدين الاوطان حتى وصلا الى وادي الشعاب ودخل الى الخيمه التي فيها بنات كليب فسمعت ابنة كليب الكبيرة صوته فقالت له من انت وماهو اسمك فلما سمع صوتها عرفها فتقدم اليها فوجدها وشقايقها بثياب الحداد فتقطع قلبه وهطلت عيناه بالدمع وقال اتقبلوا الضيف يا بنات الاماجيد قالت مرحبا فنحن أول من ضاف ولكن قد جار علينا الزمان فأولنا بعد العز والجاه صرنا في حالة يرثى لها فا قصد يا شيخ محل الوليمه وهو المكان الذي تدق فيه الطبول فتحصل على بلوغ المأمول فقال بالله عليك يا صبيه أن تحكي واقعة حالكم فقد جرحت قلبي بهذا الكلام فقالت اليمامه لقد ذكرتنا بمصابنا وعلى ما جرى فجلس الزير وهو وطراف وجلست هي بجانبه ثم عرفها هي وشقايقها بنفسه وانه عمها صاحت بصوت عالي من ملو راسها هذا في الحلم أم في اليقظه ثم وقعت عليه شقايقها يقبلونه وقلن الحمد لله الذي ارانا وجهك بخير وعافيه فوالله قد زالت أتراحنا وتجددت أفراحنا وسمع ابو شهوان عبدالعزيز هذا الخبر فدخل عليه ووقع على قدميه لانهم كانوا يظنون بانه مات فكانت تلك الليله عندهم من أعظم ليالي الافراح والمسرات وبعد ذلك جلسوا يتحدثون فقالت اليمامه بالله يا عماه أن تعلمنا بقصتك وما جرى في سفرتك فقص عليهم ذلك الخبر وماسمع وابصر وختم كلامه بهذا القصيد :
يقول الزير ابو ليلى المهلهل عيوني دمعها جاري بكاها
بكت دما على ماصار فينا ليالي السعد ماعدنا نراها
عدمنا فارس الهيجا كليب عقاب الحرب ان دارت رحاها
دهتني آل مرة جنح اليل لتقتلني وتشفي ما دهاها
فكنت بخيمتي ملقى طريحا ثلاث آلاف درتني قناها
وسحبوني لعند ضباع أختي والقوني طريحا في حداها
وقالوا يا ضباع خذي أخوكي أخذنا روحه قوى عزاها
فالقتني بصندوق مزفت وأرمتني بوسط البحر تاها
واقتني مياه البحر حالا الى بلد اليهود على رباها
وجابوني لحكمون اليهودي أجل ملوك الارض جاها
فداواني وعالجني سريعا فزالت كربتي مما دهاها
بقيت انا ثمان سنين غائب وزال الشر عني مع عناها
أسأل الله أن يحفظكم جميعا على ماطالت الدنيا مداها
( قال الراوي ) وكانت ليلة عند بنات كليب من أعظم الليالي وحضر تلك الليله جميع أصحاب الزير ففرحوا وانشرحوا بقدومه وهنوه بالسلامه فقال لهم من الاوفق أن تكتموا أمري لحينما أتجهز لقتال الاعادي وأحضر جوادي ثم أعلمهم بخبر الحصان وانه أبقاه في المركب عند القبطان لبينما يكون شاهد أهله وأقاربه ولما أنتصف الليل ودعهم وسار قاصدا شاطىء البحر هذا ماكان منه واما مرة أبو جساس فكان من عادته أن يذهب كل يوم الى ساحل البحر ويتجسس الاخبار ويعود في آخر النهار فاتفق ان عبدان من عبيده كانا قد نظرا المركب عند قدومه الى ميناء حيفا فأعلماه به فاستأجر قاربا وقصد ذلك المركب وعند وصوله اليه وجد ذلك الجواد المذكور فاندهش من رؤياه فسأل القبطان عنه فقال له القبطان هذا حصان الزير وقد حضر معنا من بيروت وسار نحو يومين لزيارة أهله ولم يكن القبطان يعلم ماهو جاري بين القوم من العداوة والحرب لما سمع مرة بخبر المهلهل وانه عاد سالما غانما استعظم الامر وتعجب ولكنه كتم الخبر وقال للقبطان اتبيعني هذا الحصان فقال كيف ابيعه وهو مودوعا على سبيل الامانه فقال لابد من ذلك أما أن تقبض ثمنه خمسة آلاف دينار أو آخذه منك بالقوه والاقتدار لان ابني جساس ملك هذه الديار وبيدنا زمام الاحكام ومازال يلح عليه بالكلام الى ان امتثل وأجاب خوفا من أخذه بالقوة والاغتصاب فقبض القبطان الدراهم وسار مرة بالحصان الى عند ابنه جساس وهو كاسب غانم واعلمه بواقعة الحال وقدوم المهلهل الى الاوطان ففرح جساس بالحصان لانه كان من أجود خيول الاعراب ولكنه خاف من الغوائل وعلم انه لابد من تجديد الحروب بين القبائل فاجتمع بأهله وأعلمهم بالخبر وأن يكونوا على استعداد وحذر .
هذا ماكان من جساس واما الزير الفارس الدعاس فانه عند وصوله الى البحر سار المركب فلم يجد الحصان فسأل عنه القبطان فأخبره بما جرى وكان فلما سمع منه هذا الكلام أراد أن يضرب عنقه بحد الحسام ولكنه توقف عن أذاه أكراما لخاطر مولاه ثم أمر بالرجوع الى عند الملك حكمون ليقص عليه الخبر ويطلب منه الجواد الاخر فامتثل القبطان أوامره وأقلع من تلك الساعه حتى وصل الى بيروت فأنزل الزير في القارب وسار به الى عند الملك حكمون ودخل عليه وهو في السرايه فلما رآه حكمون فرح فرحا شديدا وقال أهلا وسهلا بالصديق الحبيب وترحب به غاية الترحيبب وأجلسه بجانبه وأقام بواجبه وأشار يقول وعمر السامعين يطول :
قال حكمون بن عزرا في بيوت تشرح الخاطر وترضي السامعين
أنورت علينا الدنيا ياهمام يامريع الخيل اذا طال الكمين
يا مهلهل انت عز المحصنات انت فخر للاناس الماجدين
قصدت أهلك ثم جيت لعندنا هل شفت أهلك يا مهلهل سالمين
اذا كان يلزم نجده أحكي لي حتى أسير بالجيش كله أجمعين
طيب قلبك يا مهلهل لاتخاف ثم اطلب يا ضيا عيني اليمين
فلما سمع الزير كلامه شكره وأثنى عليه وأخبره بما جرى وكان من فقد الحصان وان السبب في حضوره الان أولا لاجل سؤال خاطره الشريف وثانيا ليطلب منه المهر الثاني وختم كلامه بهذه الابيات :
قد أتيت اليوم في قلب حزين على فقد مهري الاخرج الثمين
فان شئت أعطني أخوه يا معز الجار وفخر العلين
لا أريد مال ولا كثرة نوال غير ابو حجلان مطلوق اليمين
يا ملك حكمون ان مالي كثير كل مال البر في يدي خزين
فلما سمع حكمون هذا المقال تبسم وقال مهما طلبت منا لانعزه عليك وجميع أموالنا بين يديك فوالله اننا لاننسى جميلك ومعروفك على الزمان وان ابو حجلان بعد رواحك من الاوطان أظهر الوحشه ونفر من جميع الناس حتى لم يقدر عليه أحد من السياس ثم طلب منه أن يبقى عندهم عدة أيام ليستريح من متاعب الاسفار فاعتذر وقال لابد من الرجوع في هذا النهار فأعطاه حكمون الحصان وسار الى المركب وعند وصولهم اليها نزل بالجواد الى المدينه فركب وقصد أهله فاتفق في تلك الساعه أن رجلا من قبيلة جساس ابصر الزير فعرفه وسار الى عند جساس وأخبره بقدومه وقال له انني خايف عليكم من سطوته شاهدته في هذا النهار وهو مثل الاسد الكرار ثم اشار يقول :
يقول الشيخ يا أولاد مرة تعالوا واسمعوا لي يا فوارس
ايا جساس يا همام اسمع ايا ملك يا أهل المجالس
فقد كنت قرب البحر سائر رأيت خرج على اليوم فارس
على ادهم اقب الضلع فارح وفوقه درع من بولاد لابس
وفي كتفه قنا اسمر مكعب بطل صنديد يوم الروع عابس
فهذا فارس البيداء مهلهل مريع الخيل للابطال داعس
( قال الراوي ) فلما فرغ من شعره ونظامه أجابه سلطان بن مرة بهذه الابيات :
يقول اليوم سلطان ابن مرة كلام الشيخ صادق يا فوارس
فان كان ابو ليلى سيظهر يخلي دمنا مثل البواطس
ويسبي من قبائلنا عذارى ونترك أرضنا قفرا دوارس
ولايقبل رجاه ولا عطاه ويطرحنا على الغبرا نواكس
( قال الراوي ) فلما انتهى سلطان من كلامه وقع الخوف في قلوب القوم وأخذوا يستعدون للقتال من ذلك اليوم وأما الزير فانه كان قد جد في المسير حتى وصل الى دياره والتقى بأهله وأنصاره فلما رأوه فرحوا به واتت اليه اليمامه وشقايقها وكذلك أخوة الزير وكل من في الحي من نساء ورجال فوقعوا عليه وقبلوا يديه وانتشرت الاخبار بقدومه الى الديار بين الكبار والصغار حتى ملأت الاقطار فأقبلت الابطال والفرسان وتواردت اليه السادات والاعيان وسلموا عليه وتمثلوا بين يديه وهنوه بالسلامه فشكرهم واثنى عليهم وترحب بهم فذبح الذبائح وأولم الولائم ووعدهم بالمكاسب والغنايم وبعد أن أكلوا الطعام وشربوا المدام أنشد عدي أخو الزير يقول :
يقول عدي أبيات فصيحه أتانا الزير والمولى عطانا
وكنا قبل ما يأتي الينا بحال الذل في قهر حزانا
وجساس الردي عايب علينا يريد هلاك تغلب مع أذانا
فأمرنا با نبقى جميعنا على طول الليالي مع نسانا
ولا نركب خيولا صافنات ولانقل سيوفنا في حمانا
الينا جيت يا جميل المحامل ويا كهف العذارى والامانا
لربي الشكر ثم الحمد دايم أذا ماجئتنا نقهر عدانا
ايا سالم فانهض شد عزمك واركب فوق مطلوق العنانا
ونركب ثم نحمل فرد حمله على اولاد مرة في لقانا
ونترك دورهم بورا وقفرا ونقتلهم ونأخذ ثارا أخانا
( قال الراوي ) فلما فرغ عدي من كلامه تقدمت اليمامه نحو عمها وشكرت الله تعالى على سلامته ودعت له بطول العمر فضمها الى صدره والتفت الى من حوله وانشد وقال :
يقول الزير أبو ليلى المهلهل الا يابنات ان السعد جاكم
وأقبل سعدكم والشر ولى وراح الشر عنكم لاعداكم
ثماني سنين وسط البحر غائب وبالي عندكم مما دهاكم
وفرج الله همي وغمي وخلصني وجيت الى حماكم
حيث اتيت زال الشر عنكم ونلتم يا بنات مني مناكم
غدا جساس أقتله بسيفي وآخذ يا بنات بثار أباكم
وانتم يا عدي ودريعان وباقي أخوتي تسلم لحاكم
فأتوا بالصوافن واركبوهم وهبوا جميعكم ومن معاكم
ودقوا طبلكم يآل قيس وقيموا النار فس ساير حماكم
وخبوني بعيد عن المنازل غدا جساس يبرز للقاكم
فلاقوه على خيل ضوامر واني سوف اهجم من وراكم
قال جساس بن مرة في بيوت اسمعوا ياأخواني أهل الوفا
ضاق صدري وامتلا قلبي هموم فالقلق والغم ضارب بالحشا
جمعت تخت الرمل حورته بسرعه حتى أرى ماهو هذا البلا
رأيت لقي الجد آت عن قريب صاحب البطش ما بين الملا
ورأيت الجود له بيت ضد والجماعه شكلهم واقع حدا
ماعاد لي عقل لهذا الرمل قطرة حرت فيه اليوم يا أهل الندى
لو يصح القول قلت الزير جا وها هو جالس بين الامرا
فلما فرغ جساس من شعره ونظامه وفهم الزير مطلوبه وعرف المقصود ووضع يده على قبضة سيفه حتى اذا قال جساس اقبضوا عليه ليفتك به ويعدمه الحياة ومن كثرة ما جرى على جساس من الغم والوسواس ترك من كان عنده من الناس ودخل على الحريم خوفا من امر يأتي فلما رآه الزير فعل ذلك قال لابد من قتله ان لم يكن اليوم يكون غدا ثم خرج من الصيوان مع الامير طراف وسارا قاصدين الاوطان حتى وصلا الى وادي الشعاب ودخل الى الخيمه التي فيها بنات كليب فسمعت ابنة كليب الكبيرة صوته فقالت له من انت وماهو اسمك فلما سمع صوتها عرفها فتقدم اليها فوجدها وشقايقها بثياب الحداد فتقطع قلبه وهطلت عيناه بالدمع وقال اتقبلوا الضيف يا بنات الاماجيد قالت مرحبا فنحن أول من ضاف ولكن قد جار علينا الزمان فأولنا بعد العز والجاه صرنا في حالة يرثى لها فا قصد يا شيخ محل الوليمه وهو المكان الذي تدق فيه الطبول فتحصل على بلوغ المأمول فقال بالله عليك يا صبيه أن تحكي واقعة حالكم فقد جرحت قلبي بهذا الكلام فقالت اليمامه لقد ذكرتنا بمصابنا وعلى ما جرى فجلس الزير وهو وطراف وجلست هي بجانبه ثم عرفها هي وشقايقها بنفسه وانه عمها صاحت بصوت عالي من ملو راسها هذا في الحلم أم في اليقظه ثم وقعت عليه شقايقها يقبلونه وقلن الحمد لله الذي ارانا وجهك بخير وعافيه فوالله قد زالت أتراحنا وتجددت أفراحنا وسمع ابو شهوان عبدالعزيز هذا الخبر فدخل عليه ووقع على قدميه لانهم كانوا يظنون بانه مات فكانت تلك الليله عندهم من أعظم ليالي الافراح والمسرات وبعد ذلك جلسوا يتحدثون فقالت اليمامه بالله يا عماه أن تعلمنا بقصتك وما جرى في سفرتك فقص عليهم ذلك الخبر وماسمع وابصر وختم كلامه بهذا القصيد :
يقول الزير ابو ليلى المهلهل عيوني دمعها جاري بكاها
بكت دما على ماصار فينا ليالي السعد ماعدنا نراها
عدمنا فارس الهيجا كليب عقاب الحرب ان دارت رحاها
دهتني آل مرة جنح اليل لتقتلني وتشفي ما دهاها
فكنت بخيمتي ملقى طريحا ثلاث آلاف درتني قناها
وسحبوني لعند ضباع أختي والقوني طريحا في حداها
وقالوا يا ضباع خذي أخوكي أخذنا روحه قوى عزاها
فالقتني بصندوق مزفت وأرمتني بوسط البحر تاها
واقتني مياه البحر حالا الى بلد اليهود على رباها
وجابوني لحكمون اليهودي أجل ملوك الارض جاها
فداواني وعالجني سريعا فزالت كربتي مما دهاها
بقيت انا ثمان سنين غائب وزال الشر عني مع عناها
أسأل الله أن يحفظكم جميعا على ماطالت الدنيا مداها
( قال الراوي ) وكانت ليلة عند بنات كليب من أعظم الليالي وحضر تلك الليله جميع أصحاب الزير ففرحوا وانشرحوا بقدومه وهنوه بالسلامه فقال لهم من الاوفق أن تكتموا أمري لحينما أتجهز لقتال الاعادي وأحضر جوادي ثم أعلمهم بخبر الحصان وانه أبقاه في المركب عند القبطان لبينما يكون شاهد أهله وأقاربه ولما أنتصف الليل ودعهم وسار قاصدا شاطىء البحر هذا ماكان منه واما مرة أبو جساس فكان من عادته أن يذهب كل يوم الى ساحل البحر ويتجسس الاخبار ويعود في آخر النهار فاتفق ان عبدان من عبيده كانا قد نظرا المركب عند قدومه الى ميناء حيفا فأعلماه به فاستأجر قاربا وقصد ذلك المركب وعند وصوله اليه وجد ذلك الجواد المذكور فاندهش من رؤياه فسأل القبطان عنه فقال له القبطان هذا حصان الزير وقد حضر معنا من بيروت وسار نحو يومين لزيارة أهله ولم يكن القبطان يعلم ماهو جاري بين القوم من العداوة والحرب لما سمع مرة بخبر المهلهل وانه عاد سالما غانما استعظم الامر وتعجب ولكنه كتم الخبر وقال للقبطان اتبيعني هذا الحصان فقال كيف ابيعه وهو مودوعا على سبيل الامانه فقال لابد من ذلك أما أن تقبض ثمنه خمسة آلاف دينار أو آخذه منك بالقوه والاقتدار لان ابني جساس ملك هذه الديار وبيدنا زمام الاحكام ومازال يلح عليه بالكلام الى ان امتثل وأجاب خوفا من أخذه بالقوة والاغتصاب فقبض القبطان الدراهم وسار مرة بالحصان الى عند ابنه جساس وهو كاسب غانم واعلمه بواقعة الحال وقدوم المهلهل الى الاوطان ففرح جساس بالحصان لانه كان من أجود خيول الاعراب ولكنه خاف من الغوائل وعلم انه لابد من تجديد الحروب بين القبائل فاجتمع بأهله وأعلمهم بالخبر وأن يكونوا على استعداد وحذر .
هذا ماكان من جساس واما الزير الفارس الدعاس فانه عند وصوله الى البحر سار المركب فلم يجد الحصان فسأل عنه القبطان فأخبره بما جرى وكان فلما سمع منه هذا الكلام أراد أن يضرب عنقه بحد الحسام ولكنه توقف عن أذاه أكراما لخاطر مولاه ثم أمر بالرجوع الى عند الملك حكمون ليقص عليه الخبر ويطلب منه الجواد الاخر فامتثل القبطان أوامره وأقلع من تلك الساعه حتى وصل الى بيروت فأنزل الزير في القارب وسار به الى عند الملك حكمون ودخل عليه وهو في السرايه فلما رآه حكمون فرح فرحا شديدا وقال أهلا وسهلا بالصديق الحبيب وترحب به غاية الترحيبب وأجلسه بجانبه وأقام بواجبه وأشار يقول وعمر السامعين يطول :
قال حكمون بن عزرا في بيوت تشرح الخاطر وترضي السامعين
أنورت علينا الدنيا ياهمام يامريع الخيل اذا طال الكمين
يا مهلهل انت عز المحصنات انت فخر للاناس الماجدين
قصدت أهلك ثم جيت لعندنا هل شفت أهلك يا مهلهل سالمين
اذا كان يلزم نجده أحكي لي حتى أسير بالجيش كله أجمعين
طيب قلبك يا مهلهل لاتخاف ثم اطلب يا ضيا عيني اليمين
فلما سمع الزير كلامه شكره وأثنى عليه وأخبره بما جرى وكان من فقد الحصان وان السبب في حضوره الان أولا لاجل سؤال خاطره الشريف وثانيا ليطلب منه المهر الثاني وختم كلامه بهذه الابيات :
قد أتيت اليوم في قلب حزين على فقد مهري الاخرج الثمين
فان شئت أعطني أخوه يا معز الجار وفخر العلين
لا أريد مال ولا كثرة نوال غير ابو حجلان مطلوق اليمين
يا ملك حكمون ان مالي كثير كل مال البر في يدي خزين
فلما سمع حكمون هذا المقال تبسم وقال مهما طلبت منا لانعزه عليك وجميع أموالنا بين يديك فوالله اننا لاننسى جميلك ومعروفك على الزمان وان ابو حجلان بعد رواحك من الاوطان أظهر الوحشه ونفر من جميع الناس حتى لم يقدر عليه أحد من السياس ثم طلب منه أن يبقى عندهم عدة أيام ليستريح من متاعب الاسفار فاعتذر وقال لابد من الرجوع في هذا النهار فأعطاه حكمون الحصان وسار الى المركب وعند وصولهم اليها نزل بالجواد الى المدينه فركب وقصد أهله فاتفق في تلك الساعه أن رجلا من قبيلة جساس ابصر الزير فعرفه وسار الى عند جساس وأخبره بقدومه وقال له انني خايف عليكم من سطوته شاهدته في هذا النهار وهو مثل الاسد الكرار ثم اشار يقول :
يقول الشيخ يا أولاد مرة تعالوا واسمعوا لي يا فوارس
ايا جساس يا همام اسمع ايا ملك يا أهل المجالس
فقد كنت قرب البحر سائر رأيت خرج على اليوم فارس
على ادهم اقب الضلع فارح وفوقه درع من بولاد لابس
وفي كتفه قنا اسمر مكعب بطل صنديد يوم الروع عابس
فهذا فارس البيداء مهلهل مريع الخيل للابطال داعس
( قال الراوي ) فلما فرغ من شعره ونظامه أجابه سلطان بن مرة بهذه الابيات :
يقول اليوم سلطان ابن مرة كلام الشيخ صادق يا فوارس
فان كان ابو ليلى سيظهر يخلي دمنا مثل البواطس
ويسبي من قبائلنا عذارى ونترك أرضنا قفرا دوارس
ولايقبل رجاه ولا عطاه ويطرحنا على الغبرا نواكس
( قال الراوي ) فلما انتهى سلطان من كلامه وقع الخوف في قلوب القوم وأخذوا يستعدون للقتال من ذلك اليوم وأما الزير فانه كان قد جد في المسير حتى وصل الى دياره والتقى بأهله وأنصاره فلما رأوه فرحوا به واتت اليه اليمامه وشقايقها وكذلك أخوة الزير وكل من في الحي من نساء ورجال فوقعوا عليه وقبلوا يديه وانتشرت الاخبار بقدومه الى الديار بين الكبار والصغار حتى ملأت الاقطار فأقبلت الابطال والفرسان وتواردت اليه السادات والاعيان وسلموا عليه وتمثلوا بين يديه وهنوه بالسلامه فشكرهم واثنى عليهم وترحب بهم فذبح الذبائح وأولم الولائم ووعدهم بالمكاسب والغنايم وبعد أن أكلوا الطعام وشربوا المدام أنشد عدي أخو الزير يقول :
يقول عدي أبيات فصيحه أتانا الزير والمولى عطانا
وكنا قبل ما يأتي الينا بحال الذل في قهر حزانا
وجساس الردي عايب علينا يريد هلاك تغلب مع أذانا
فأمرنا با نبقى جميعنا على طول الليالي مع نسانا
ولا نركب خيولا صافنات ولانقل سيوفنا في حمانا
الينا جيت يا جميل المحامل ويا كهف العذارى والامانا
لربي الشكر ثم الحمد دايم أذا ماجئتنا نقهر عدانا
ايا سالم فانهض شد عزمك واركب فوق مطلوق العنانا
ونركب ثم نحمل فرد حمله على اولاد مرة في لقانا
ونترك دورهم بورا وقفرا ونقتلهم ونأخذ ثارا أخانا
( قال الراوي ) فلما فرغ عدي من كلامه تقدمت اليمامه نحو عمها وشكرت الله تعالى على سلامته ودعت له بطول العمر فضمها الى صدره والتفت الى من حوله وانشد وقال :
يقول الزير أبو ليلى المهلهل الا يابنات ان السعد جاكم
وأقبل سعدكم والشر ولى وراح الشر عنكم لاعداكم
ثماني سنين وسط البحر غائب وبالي عندكم مما دهاكم
وفرج الله همي وغمي وخلصني وجيت الى حماكم
حيث اتيت زال الشر عنكم ونلتم يا بنات مني مناكم
غدا جساس أقتله بسيفي وآخذ يا بنات بثار أباكم
وانتم يا عدي ودريعان وباقي أخوتي تسلم لحاكم
فأتوا بالصوافن واركبوهم وهبوا جميعكم ومن معاكم
ودقوا طبلكم يآل قيس وقيموا النار فس ساير حماكم
وخبوني بعيد عن المنازل غدا جساس يبرز للقاكم
فلاقوه على خيل ضوامر واني سوف اهجم من وراكم
عدل سابقا من قبل daye في الثلاثاء يونيو 17, 2008 2:35 am عدل 1 مرات