من طرف القيصر الخميس يونيو 12, 2008 6:08 pm
وتضحكون وتضحك الأقدار!
تروي صاحبة القصة قصتها فتقول: تزوجته بعد موت زوجته التي خلفت بنتا منه في الرابعة من عمرها، كان يحب البنت ويذكر الأم، وكان ذلك يغيظني منه، وكم حاولت بشتى الوسائل والحيل أن أصرفه عن ذلك فلم أنجح، كان يعتني ببنته عناية فائقة، حتى إذا ما مرضت جاء بها في فراشنا ووضعها بيني وبينه، ويتحسسها بين لحظة وأخرى ويقول: "يا خلف أمي وأبوي".
قلت في نفسي: إلى هذا الحد يحبها ويحنو عليها، وبيّتٌّ مكرا لهذه البنت، سوف أقتلها، ولكن لن أقتلها بإزهاق روحها، ولكن سأقتلها معنويا، سأدللها حتى تصبح خرقاء لا تحسن عملا ولا ترقع ثوبا، ولا تعرف طبخا، وسوف أجعلها لا تعرف أي حاجة تحتاجها الأنثى في بيتها، سأجعل منها امرأة كسلانة لا تستطيع أن تدبر أمرها.
وبدأت بتنفيذ الخطة، وكان الأب فرحا من معاملتي لابنته، لأني دللت البنت كما يظن، حتى إذا كنا على مائدة الطعام والتفتت إلى الماء وإن كان الماء على السفرة ملأت الكأس بيدي لأسقيها، أو آمر بنتي لتذهب وتأتي بالماء!
ولكن البنت كانت ذكية، وكان ذلك يغيظني، وكانت ناجحة في جميع الدروس، كنت أبغِّض إليها المذاكرة، وكنت أوهمها أنها تعبانة لتنام كي لا تراجع دروسها، ولكنها كانت لا تحتاج إلى مذاكرة، لأنها ذكية، وكانت من المتفوقات دائما، وأكملت المرحلة الثانوية بنجاح وتجاوزتها إلى الجامعة وتخرجت من الجامعة، وجاءها الخاطب ففرحت، وقلت الآن، وأقنعت أباها أن يزوجها، وقبل نصيحتي، وتزوجت... ولكن من تزوجت؟!
لقد تزوجت من يحبها ويخاف عليها من هبوب الريح، تزوجت من هيَّأ لها كل وسائل الراحة، فالخدم يملؤون البيت وأمرها ينفذ قبل أن تنطق به، ولن تحتاج إلى طبخ ونفخ، وكانت عيشتها كلها سعادة، مما زاد في غيظي وملأ قلبي حسرة. بعد زواجها بسنتين تزوجت ابنتي، وكان زوجها رجلا شديدا قاسيا سبَّابا، حديد المزاج، بخيلا دائم العبوس.
إنَّ ابنتي لم تذنب، والذنب فعلته أنا، لكن الله تعالى عاقبني في ابنتي(1).
لقد أرادت هذه المرأة أن تقتل هذه البنت المسكينة وتجردها من أسباب حياتها وتجعلها بلهاء، لا تعلم من أمور الحياة شيئا، ولكن الله عز وجل أراد بهذه البنت خيرا فحماها من كيد هذه المرأة، فجعلها بنتا ذكية متعلمة، فكانت ربة بيت ممتازة، ورزقها بزوج يحبها ويرعاها، "وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30).(2)
لقد جعل الله كيد هذه المرأة في نحرها وعذبها بابنتها، فملأ قلبها حسرة، وها هي تعض أصابع الندم، وكما تدين تدان.