السؤال:
فضيلةالشيخ العلامة يوسف القرضاوي (حفظه الله)، أسأل الله أن يمد في عمركم، وأنيجزيكم عن الإسلام خيرا. أنا باحثة أعد رسالة دكتوراه، وأريد الاستنارةبرأيكم في أحد مباحثها، وهو: هل تعدُّ عملية سرقة المعلومات المحميَّة بأرقام سرية, وعملية سرقة الأموال عبر بطاقات الائتمان، عبر شبكة المعلومات (الإنترنت): سرقة تستوجب عقوبة تعزيرية أم حَدِّية؟ وإذا كانت عقوبة هذه الجريمة تعزيرية, فما الأمور التي منعت من إقامة العقوبةالحَدِّية؟ ولكم جزيل الشكر. ليلى أحمد سالم
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه ومَن والاه
(وبعد)
فقدعرَّف الفقهاء السرقة التي يجب فيها الحدُّ بأنها: أخذ مال الغير خُفية,بشرط أن يبلغ المال نصابا, وألاَّ تقوم شبهة تُسقط الحدَّ.
فلا بد أذن لتحقُّق السرقة الشرعية:
1- أن يكون المسروق مالا.
2- أن يبلغ نصابا, وقد اختلفوا فيه.
3- أن يكون الأخذ خُفية, لا عن طريق المغالبة كالحرابة, ولا عن طريق الأخذ والهرب بسرعة كالاختلاس.
4- أن يخرج المسروق من حيازة مالكه, ليُدخله في حيازته.
5- ألا تكون له شبهة تؤثِّر في إسقاط الحدِّ, كأن تكون له شركة في المال, أو من الورثة، أو نحو ذلك.
وبالنظر في هذه المكوِّنات لجريمة السرقة, ننظر في السؤال المطروح, وهو في الحقيقة يتضمَّن سؤالين:
الأول: عن سرقة المعلومات المحميَّة بأرقام سرية.
والثاني: عن سرقة الأموال عبر بطاقات الائتمان, عبر شبكة المعلومات (الإنترنت).
وأودُّأن أبادر فأوكِّد هنا: أن كلَّ هذه السرقات من (المعاصي) المحرَّمة فيالإسلام, وهي تنافي حقيقة الإيمان, وفي الحديث الصحيح المتَّفق عليه: "لايسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن"[1].
بل تعتبر السرقة من كبائر المعاصي؛ لأن الكبيرة معصية فيها حدٌّ في الدنيا، أو وعيد شديد في الآخرة. والسرقة فيها الأمران معا.
ولكنقد يوجد خلاف في تكييف هذه المعصية أو هذه الجريمة: هل ينطبق عليها تعريف(السرقة)، كما ذكره الفقهاء في حدِّ السرقة أو لا ينطبق؟
فبالنسبةلسرقة المعلومات، يظهر أن المسروق هنا ليس بمال، وإن كانت له قيمة كبيرة,فلا ينطبق عليه أنه سرقة بالمعنى الاصطلاحي، إذ السرقة هي أخذ المال خُفية.
وقديشكِّك بعض الناس في مشروعية كتمان العلم عن الغير، ويرى أن العلم يجب أنيُتاح للجميع، حتى إن من الناس مَن ينكر حقوق التأليف والنشر، ويجيز نشرالكتب من غير إذن مؤلفيها. وهم محجوجون في ذلك، ومردود عليهم.
ومنالمعلومات ما يُنفق عليها عشرات الملايين أو مئات الملايين، ومن حقِّ مَنأنفق هذه النفقات الطائلة أن ينتفع بثمار ما أنفق، وخصوصا أنها قد تكونمعلومات عسكرية أو استراتيجية ونحوها.
المهمأن هذا التشكيك قد يكون شبهة تدرأ الحدَّ، لو افترضنا أن هذه المعلوماتمال، أو تقدر بالمال، وهنا تجب العقوبة التعزيرية، لأنه ارتكب معصية لاحدَّ فيها ولا كفارة، فاستوجب العقوبة تعزيرا، لا حدًّا.
وبالنسبةللسؤال الثاني: سرقة المال من البنوك ونحوها عن طريق بطاقة الائتمان،ومعرفة رقم بطاقة الشخص، ومعرفة رقمها السري، وصرف المال - وقد يكونبالملايين - عن هذا الطريق، فالذي أراه هنا: أن هذه سرقة مكتملة الأركان،فالمسروق مال، ومأخوذ بطريق الخُفية، فقد أخفاه عن البنك، وأخفاه عن صاحبالمال، وهو أكثر من النصاب المطلوب، وليس له أدنى شبهة في سرقته. فهذهسرقة كاملة يجب أن يُقام على السارق فيها الحدُّ، وتنفيذ قول الله تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَاكَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة:38].
والحقيقةأن هذه السرقة تتضمَّن عدَّة جرائم: ففيها جريمة الاعتداء على البنك،وجريمة الاعتداء على سريَّة البطاقات، وجريمة الاعتداء على المال، وجريمةاستخدام نعم الله مثل الإنترنت في معصية الله تعالى، وإضرار عباده.
فهو يستحقُّ العقوبة الحدية، وقد يستحقُّ عقوبة أخرى معها، ولا سيما إذا كان من موظفي البنك؛ لأنه مع السرقة خان الأمانة.
وبالله التوفيق.
[1] - متفق عليه: رواه البخاري في الأشربة (5578